الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بعد شهرين من التوتر في جنوب سوريا: خريطة طريق روسية جديدة للحل 

بعد شهرين من التوتر في جنوب سوريا: خريطة طريق روسية جديدة للحل 

16.08.2021
منهل باريش


القدس العربي 
الاحد 15/8/2021 
روسيا ستبحث عن حل يبقي التوتر قليلا في الجنوب للاستفادة منه في وجه الأطراف المختلفة، وهذا يتطلب إخراج بعض المقاتلين وتسليم أعداد من السلاح الخفيف للشرطة العسكرية الروسية. 
في محادثة صوتية للجنة المركزية بدرعا مع عدد مع النشطاء والصحافيين أقامتها منصة "تجمع أحرار حوران" وحضرها مراسل "القدس العربي" ليل الجمعة، قال الناطق الرسمي باسم لجنة درعا البلد، المحامي عدنان المسالمة، إن الروس قالوا ان لديهم خريطة طريق لحل الأزمة في محافظة درعا، وإن من المرجح عرضها علينا (اللجنة) قريبا. وفضل المحاميد عدم الخوض في التفاصيل وتمنى على الإعلاميين عدم مناقشة التفاصيل لحساسية الوضع في الجنوب ودقته. كما حضر اللقاء الذي بثه التجمع عبر تطبيق "تلغرام" الطبيب زياد المحاميد، عضو لجنة درعا البلد، والناشط لورنس الأكراد. وحذر المسالمة من التواجد الإيراني في الجنوب، مرجحا ان تنتهج إيران التصعيد في الجنوب. 
ولفت إلى عدم التزام النظام باتفاق 2018 خصوصا بما يتعلق بملف المعتقلين، حيث لم يفرج عن أي منهم، بل ازدادت عمليات الاعتقال لتشمل آلاف المدنيين والمطلوبين. وحمل مسؤولية تعثر الاتفاق و"تدهور الوضع الأمني في الجنوب" إلى رئيس إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة) اللواء حسام لوقا. 
وفي سؤال حول مصير المنشقين عن جيش النظام وقوى الأمن والشرطة، نفى "وجود أي نقاش متعلق بالمنشقين مع العماد الروسي اندريه" أو مع غيره في الفترة التي انتدب فيها الأسبوع الماضي إلى درعا، أو في الفترة التي سبقتها. وشدد المحاميد في ختام مشاركته على "رفض ابرام اتفاق جديد والتمسك باتفاق 2018" وعزا سبب الحصار لمدة 52 يوما (حتى مساء الجمعة) إلى كون النظام يريد فرض اتفاق جديد. 
وفي المحادثة الصوتية، وصف لورنس الأكراد المقرب من لجنة درعا موقف اللواء الثامن الذي يقوده أحمد العودة ويتبع لروسيا أنه "مع أهل درعا البلد وموقفه من موقف حوران عموماً". 
من جهة أخرى، قال الشيخ فيصل أبازيد في خطبة صلاة الجمعة في جامع الدكتور غسان أبازيد، إن "الواقع ليس ورديا" وأشار إلى ان اتفاق صيف 2018 "لم يكن أحد يعرف بنوده وفرض الروسي الاتفاق على أهل درعا تحت تهديد قصف الطيران". 
وأضاف عضو الجنة المركزية الذي تخلف عن حضور اللقاء مع الجنرال الروسي الجديد "يبدو ان اتفاق 2018 قد تغير والدول التي التزمت به قد غيرت التزاماتها. وليس لدينا إمكانية لفعل شيء". واعتبر ان الواقع في الجنوب هو "تصارع مشروعين، مشروع إيراني ومشروع روسي، أحلاهما مر والأقل ضررا هو الروسي، أما اقتلاع أهل درعا وتحويل المنطقة إلى منطقة ملحقة بإيران ستجبر الناس على تغيير مذهبهم وتفرض تغييرا مذهبيا ديمغرافيا في كامل المنطقة". وصارح مستمعيه أن درعا البلد "لا تستطيع المقاومة ومجابهة العالم". 
وذكر أبازيد ان الفصائل في 2018 "لم تقاتل عندما كانت لديها دبابات ومدافع وسلاح ومقاتلين، ومع ذلك فرضت الدول ارادتها علينا، فما بالكم اليوم!!". 
على صعيد متصل، نقلت وكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك" عن مصادر في جيش النظام التزام الأخير بوقف العملية العسكرية في حي درعا البلد لمبادرة روسية. وأبلغت القيادة الروسية في سوريا وزير الدفاع في حكومة النظام العماد علي عبد الله أيوب، الأربعاء، بوجود مبادرة روسية. ووصفت الوكالة ذلك بأنه "محاولة أخيرة للحلول السلمية والحيلولة دون إطلاق عملية عسكرية قد تكون مكلفة". 
وتتضمن المبادرة عدة بنود أهمها "التزام المجموعات المسلحة في الحي بتسليم أسلحتها تنفيذا لبنود اتفاق المصالحة الذي عقد برعاية روسية في 2018 وخروج المسلحين الرافضين للاتفاق باتجاه مناطق سيطرة المعارضة السورية في الشمال". 
وتعاني درعا من حصار منذ 54 يوما، ما أدى إلى نزوح نحو 18 ألف مدني منذ بدء الحملة في 28 تموز (يوليو) حسب بيانات الأمم المتحدة التي وصفت ما يجري بأنه "أخطر مواجهة" منذ عام 2018. ودعت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، في بيان لها "أطراف النزاع إلى السماح بوصول الإغاثة الإنسانية وتسهيلها بسرعة وبدون عوائق". وذكرت المفوضية في البيان، الأسبوع الماضي، أنها وثقت "مقتل ما يزيد عن 100 شخص من المدنيين" قتلوا منذ مطلع العام الحالي حتى تموز (يوليو). 
وفي السياق الأممي، أعرب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن خلال اجتماع مجموعة العمل المعنية بالشؤون الإنسانية التابعة للمجموعة الدولية لدعم لسوريا (ISSG) والذي عقد في جنيف الجمعة، عن قلقه المتزايد بشأن التطورات في الجنوب. وعقد المبعوث الأممي لقاء مع اللجنة المركزية في درعا، الثلاثاء، قدمت "المركزية" خلاله إحاطة شاملة عن مجريات الأحداث والحصار المفروض على درعا البلد وأحياء طريق السد والمخيم وتقطيع الطرقات من قبل النظام. وطالبت اللجنة المركزية في درعا من بيدرسون التدخل من أجل فك الحصار، والالتزام باتفاق تسوية عام 2018. 
حول الدور الروسي وما تريده في الجنوب، قال الباحث والأكاديمي عبدالله الجباصيني، المختص بالدينامكيات المحلية في جنوب سوريا في معهد الجامعة الأوروبية لـ"القدس العربي" إن "السياسات والتفاهمات الإقليمية هي التي كانت الدافع الأساسي وراء اتفاق 2018 على مدى السنوات الثلاث الماضية" معتبرا أن روسيا ظلت ملتزمة بجوهر هذا الاتفاق، أي "الحد من وجود القوات العسكرية والأمنية السورية في أجزاء من الجنوب". وأشار إلى ضرورة التنبه إلى وجود عاملين مترافقين مع الحصار والحالة العسكرية، هما "خسارة بنيامين نتنياهو في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية وحديث ملك الأردن عبد الله الثاني في مقابلته التلفزيونية عن استمرارية النظام في سوريا والحاجة إلى تنسيق الحوار". ولفت الجباصيني إلى أن هذين العاملين "دفعا روسيا إلى إعادة التفكير في الوضع الراهن في جنوب سوريا بشكل كامل فيما يبدو". 
في السياق، وصف الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، مناف قومان، الدور الروسي أنه "ليس بوارد كسر إرادة الناس في منطقة سبق وبنوا فيها تفاهمات اجتماعية. إضافة لاتفاق المصالحة وتشكيل الفيلق الخامس منذ عام 2018". مؤكدا أن الروس "أعطوا هامشا بممارسة الحرية والخروج في مظاهرات ضد النظام. في المقابل فانهم (الروس) لن يسمحوا بفرض إرادة الثوار على النظام". 
ووصف قومان في اتصال عبر تطبيق واتس أب مع "القدس العربي" التكتيك الروسي انه "يحاول إرضاء النظام وعدم خسارة الحاضنة الاجتماعية في درعا" ورجح أن يكون ذلك عبر "حل وسط بين الطرفين يتم من خلاله إقناع النظام بالعدول عن العملية العسكرية ورفع الحصار عن درعا البلد، وبذات الوقت إقناع الأهالي بتسليم السلاح الخفيف ووقف استفزاز النظام عبر المظاهرات في درعا البلد". 
معتبرا الحل، بهذا الشكل، ستجني موسكو من خلاله عدة نقاط أهمها "يمنع تغول الميليشيات الإيرانية على الحدود الأردنية وبالتالي إبقاء تفعيل التزاماتها وفق اتفاق لافروف – كيري، وعدم إغضاب الأردن، وإبقاء السكان في منازلهم وإمكانية ضم الشباب إلى صفوف اللواء الثامن، وتأسيس نموذج إدارة في الجنوب عموماً على غرار ما حصل في بصرى الشام خلال العامين الماضيين". 
من الواضح أن اللجنة المركزية في درعا، تصر على العودة إلى تطبيق اتفاق تموز 2018 الذي فرضته روسيا على الجميع هناك، وتحمل مفاوضيها الروس طوال الوقت تلك المسؤولية دون إدراك التغيرات الحاصلة ميدانيا وسياسيا في عموم البلاد، أو البحث عن مخرجات جديدة تكون أكثر قبولا للروس أنفسهم وعدم المراهنة كثيرا على خلاف إيراني روسي في الجنوب، فهو مجرد وهم نفت صحته عشرات المعطيات والاختبارات. كما أن "الكرت الإيراني" هو ورقة تحتاجه موسكو في وجه الجيران الإقليميين. ويتعين على المفاوضين في درعا إدراك أن أمريكا تخلت عن المنطقة لصالح الروس ضمن تفاهمات دولية وإقليمية عندما كانت المتحكم الوحيد فيها. فكيف ستعود إليها مجددا، كما يحاول بعض المعارضين الإيحاء للجنة المركزية. 
نهاية، ربما تتوجه روسيا إلى الحفاظ على أجزاء من اتفاق 2018 أو تطبيق مقترح 24 تموز (يوليو) الذي وافقت عليه لجنة درعا نفسها، لكنها لن تسمح بترك الفوضى كما كانت عليه سابقا، وستبحث عن حل يبقي التوتر قليلا في الجنوب للاستفادة منه في وجه الأطراف المختلفة. وهذا يتطلب بالضرورة إخراج عدد من المقاتلين وتسليم أعداد مرضية من السلاح الخفيف للشرطة العسكرية الروسية.